فصل: فصل في الطلاق بالإعسار بالنفقة وما يلحق بها من الإعسار بالصداق والإخدام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في الطلاق بالإعسار بالنفقة وما يلحق بها من الإعسار بالصداق والإخدام:

الزَّوْجُ إنْ عَجَزَ عَنْ إنْفَاقِ ** لأَجْلِ شَهْرَيْنِ ذُو اسْتِحْقَاقِ

(الزوج) مبتدأ (إن عجز) بفتح الجيم وكسرها كما في القاموس شرط حذف جوابه للدلالة عليه (عن إنفاق) يتعلق به (لأجل) يتعلق باستحقاق (شهرين) بدل (ذو استحقاق) خبر المبتدأ، والمعنى أن الزوج إذا عجز عن نفقة زوجته بعد أن دخل بها أو بعد أن دعي إلى البناء أي عجز عن القوت أو ما يواري العورة كما مرّ في البيت قبل الفصل وكما يأتي فإنه يؤجل شهرين.
بعْدَهُمَا الطَّلاَقُ لا مِنْ فِعْلِهِ ** وَعَاجِزٌ عَنْ كِسْوَةٍ كَمِثْلِهِ

(بعدهما) خبر عن قوله (الطلاق لا) عاطفة على محذوف أي من فعل الحاكم لا (من فعله) أي الزوج وهذا إذا امتنع الزوج من الطلاق، فحينئذ يطلق الحاكم عليه أو يأمرها به فتوقعه كما مرّ في الضرر والعيوب وكما يأتي قريباً في قوله وباختيارها يقع. (وعاجز عن كسوة) مبتدأ سوغه عمله في المجرور (كمثله) خبره أي كمثل العاجز عن الإنفاق في التأجيل المذكور فإذا قدر على القوت وعجز عما يواري العورة فيؤجل الأجل المذكور فإن أتى بما يواريها فذاك وإلاَّ أمر بطلاقها، فإن أبى طلقها الحاكم أو أمرها به فتوقعه كما مر.
ولما كان الأجل المذكور غير محتم بحيث لا يعدل عنه بل هو من جملة الآجال التي هي موكولة لاجتهاد الحكام فيوسعونها على من يرجى يسره ولا يوسعونها على من لا يرجى منه ذلك وعلى ما يرونه من حاجة صبر المرأة وعدم صبرها قال:
وَلاجْتِهَادِ الحَاكِمِينَ يُجْعَلُ ** في العَجْزِ عَنْ هذَا وَهذَا الأَجَلُ

(ولاجتهاد الحاكمين يجعل في العجز عن هذا) أي الإنفاق (وهذا) اللباس المعبر عنه بالكسوة (الأجل) نائب فاعل يجعل والمجروران يتعلقان به والإشارة الأولى للإنفاق والثانية للكسوة وذكره باعتبار اللباس.
وَذَاكَ مِنْ بَعْدِ ثُبُوتِ مَا يَجِبْ ** كَمثلِ عِصْمَةٍ وَحالِ مَنْ طُلِبْ

(وذاك) مبتدأ والإشارة إلى ما ذكر من التطليق والتأجيل (من بعد ثبوت ما يجب) خبره وفاعل يجب ضمير يعود على ما وهو على حذف مضاف أي من بعد ثبوت ما يجب ثبوته (كمثل) اتصال (عصمة) بين الزوجين (و) مثل (حال من) أي الزوج الذي (طلب) بالنفقة والكسوة من ثبوت عسره بهما وحلفه أنه لا مال له، وأنه لا يقدر على ما فرض عليه، فحينئذ يؤجل ثم تطلق عليه بعده فقول الناظم: الزوج إن عجز إلخ. أي ادعى العجز فإن وافقته المرأة فلا يحتاج إلى ثبوته بالبينة وإن كذبته فلابد من ثبوته بها، وظاهره أنه إذا ادعاه لا يسجن ولا يؤاخذ بضامن حتى يثبته إذ لا يكلف بضامن إلا لو كان يسجن إذا عجز عنه وهو كذلك (خ): فيأمره الحاكم إن لم يثبت عسره بالنفقة والكسوة أو الطلاق. وإلا بأن ثبت أي بالبينة أو بإقرارهما تلوم له بالاجتهاد، وزيد إن مرض أو سجن ثم طلق عليه وإن غائباً أو وجد ما يمسك الحياة. اهـ. وفي البرزلي ولا يحبس في نفقة زوجته ويجبر بين النفقة أو التطليق وإن ثبت عدمه ضرب له السلطان أجل شهرين فإن لم يوسر طلقت عليه وتكون معه في خلل التأجيل، وإذا علم له مال وظهر لدده سجنه السلطان في أمر الزوجة والأولاد ولو طلبته بنفقة أنفقتها على نفسها فيما مضى لوجب سجنه لها لأنها دين تحاص به الغرماء وتسقط بها الزكاة، وفي المستقبل لا تسقط يعني ولا تطلق بعجزه عن النفقة الماضية (خ): ولها الفسخ إن عجز عن نفقة حاضرة لا ماضية إلخ. وقال: أعني البرزلي قبيل ما مرّ عنه سئل ابن الحاج عن المليء إذا قال: لا أنفق على زوجتي هل تطلق عليه؟ فأجاب: ينفق عليها من ماله حتى يطلقها ويحتمل أن يقال له أنفق فإن قال لا قيل له طلق فإن أبى طلق عليه. البرزلي: وحكى عياض عن المبسوطة فيمن له مال ظاهر وهو حاضر أيؤخذ من أمواله فيدفع لها النفقة؟ قال: بل يفرض لها عليه ويأمره بالدفع لها فإن فعل فذاك وإلاَّ وقف فإما أنفق أو طلق عليه. وفي الواضحة إن لم يكن له مال ظاهر وعرف ملاؤه فرض عليه، وإن عرف عدمه لم يفرض عليه وهي مخيرة في الصبر بلا نفقة أو تطلق نفسها عليه، وكذلك إذا جهل حاله، وفي المدونة احتمال القولين. اهـ. أي احتمال القولين اللذين أشار لهما ابن الحاجب من أنه يؤخذ من ماله وينفق عليها منه حتى يطلقها أو يقال له أنفق إلخ. والظاهر أنه إذا قال: أنا أنفق فإنه يؤاخذ بالضامن لأنه حينئذ بمنزلة من اعترف بأنه مليء بها قادر عليها وذلك بمنزلة من له مال وهو ظاهر، وفي ابن سلمون فإن ادعى العجز عن النفقة وكذلك عن القوت وعن ما يواري العورة من الكسوة وادعى العدم فلا يحبس حتى تقوم عليه شبهة يظهر بها لدده وعليه إثبات ذلك إن كذبته المرأة، فإذا أثبت ذلك حلف أنه لا مال له، وأن الذي يفرض عليه لا يقدر عليه فإذا حلف أجل في الكسوة إن قدر على النفقة دون الكسوة وفرق بينهما بعد الشهرين ونحوهما، وإن لم يقدر على واحد منهما فلا يؤجل إلا دون ذلك وذلك إلى اجتهاد الحاكم، وإذا أثبت ذلك أو أقر بالعجز ووافقته الزوجة أجله الحاكم في الإنفاق عليها الشهر ونحوه، وتكون معه في خلل التأجيل ولا يتبعه بنفقة زمن الإعسار، وإن علم له مال وظهر لدده كان للسلطان أن يسجنه. اهـ.
فرع:
تقدم عن البرزلي أنه إذا كان له مال ظاهر سجن في نفقة الزوجة وفي نفقة أولاده، وأما إذا عجز عن نفقة الأولاد دون الزوجة فإن الزوجة لا تطلق عليه بعسره عن نفقة صغار الأولاد كما في ابن سلمون وغيره، وتكون نفقة الصغار حينئذ في بيت مال المسلمين أو على جميعهم.
وَوَاجِدٌ نَفَقَةً وَمَا ابْتَنَى ** وَعَنْ صَدَاقٍ عَجْزُهُ تَبَيَّنَا

(وواجد) مبتدأ (نفقة) مفعوله (وما ابتنى) جملة حالية (وعن صداق) يتعلق بقوله (عجزه) وجملة (تبينا) خبر عجزه، والجملة من المبتدأ والخبر معطوفة على الجملة الحالية قبلها (تأجيله).
تَأْجِيلُهُ عَامَانِ وَابْنُ الْقَاسِمِ ** يَجْعَلُ ذَاكَ لاجْتِهَادِ الحَاكِمِ

مبتدأ ثان (عامان) خبره والجملة خبر واحد (وابن القاسم) مبتدأ خبره (يجعل ذاك لاجتهاد الحاكم) ومعناه أن من قدر على إجراء نفقة زوجته التي لم يدخل بها حين دعته إليه فطالبته بالصداق، فأثبت عجزه عنه بالبينة أو بإقرار الزوجة وأبى الطلاق وسأل التأخير لتحصيله، فإنه يؤجل لذلك سنتين على ما لمالك في المختصر، وعن ابن القاسم أن ذلك موكول لاجتهاد الحاكم، وعليه اقتصر (خ) حيث قال: وإن لم يجده أي الصداق أجل لإثبات عسرته به ثلاثة أسابيع، ثم إذا أثبتها تلوم بالنظر وعمل بسنة وشهر، ثم طلق عليه ووجب نصفه. اهـ. فقوله: وعمل بسنة وشهر جزئي من جزئيات قوله: ثم تلوم بالنظر أي: ومن النظر أن القضاة والموثقين تلوموا بسنة وشهر وفيهم إسوة لمن اقتدى بهم فلو قال الناظم:
وعاجز عن مهرها قبل البنا ** تأجيله عام وشهر عينا

إن كان منفقاً بذا التأجيل ** وغيره طلق بلا تعجيل

ونصفه وجب بالطلاق ** تتبعه به لدى الحذاق

وظاهره أنه يؤجل بما ذكر كان ممن يرجى يسره أم لا، وهو كذلك على الصحيح (خ) وفي التلوم لمن لا يرجى وصحح أو لا يتلوم لمن لا يرجى تأويلان، ومفهوم تبينا أنه إذا لم يتبين عجزه، ولكن ادعاه فقط فإنه يؤجل لإثباته وبيانه بثلاثة أسابيع كما مر عن (خ) لكن إذا أجل لإثباته فلابد من حميل بالوجه خشية تغيبه وإن لم يأت به سجن كسائر الديون بخلاف النفقة فلا يسجن فيها كما مر فوق هذين البيتين ثم إذا انقضت ثلاثة أسابيع ولم يثبته وطلبت الزيادة فلا يسجن إن استمر الحميل على الحمالة، وإلا سجن، ثم أخرج المجهول إن طال حبسه كالدين فإن أثبت العدم ابتداء أو بعد التأجيل بثلاثة أسابيع تلوم له بسنة وشهر على ما به العمل أو بالعامين على ما صدر به الناظم بغير حميل، لأنه ثبت عدمه فلا معنى لتكليفه بالحميل حينئذ خلافاً للزرقاني، فإن هرب طلقها الحاكم عليه عند انقضاء أجل التلوم، وهذا كله في المجهول كما أفهمه قوله: تبينا أي تبين عجزه بالبينة العادلة لا بغيرها، فعن ابن أبي زيد في رجل طولب بصداق امرأته فأتى بشهود منهم من يتوسم فيه الخير شهدوا بفقره ولم يجد غيرهم فقال: لا يقضي في عدالة الشهود بمثل هذا التوسم، ولكنه يكون حبسه بمقدار قوة الظن بتصديق الشهود وضعفه. اهـ. وأما إن كان معلوم الملاء وله مال ظاهر فإن المهر يؤخذ منه ويؤمر بالبناء من غير تأجيل كما يفيده (ح). وصدر به الشارح خلافاً لما ذكره في آخر تقريره من أن معلوم الملاء يؤديه أو تطلق عليه، وأما ظاهر الملاء فإنه يحبس إلا أن يأتي ببينة تشهد بعسره حيث لم تطل المدة بحيث يحصل الإضرار لها بذلك، وإلاَّ طلقت نفسها، وأما من غلب على الظن عسره كالبقال ونحوه فلا يؤجل لإثباته كما في الشارح، وفي التلوم له التأويلان المتقدمان، ومفهوم واجد نفقة أنه إذا لم يجدها فلا يؤجل بالعامين ولا بغيرهما، ولها أن تطلق نفسها من حينها وهو كذلك على الراجح، وعن ابن حبيب إذا لم يجد النفقة أجل من الأشهر إلى السنة، ومفهوم وما ابتنى الخ أنه إذا بنى بها لا تطلق بعسره عن الصداق (خ): ولها منع نفسها وأن معيبة من الدخول والوطء بعده إلى تسليم ما حل من الصداق لا بعد الوطء إلا أن يستحق الخ فما في (ز) وتبعه (ت) من نسبة ذلك ل (تت) غفلة ظاهرة عما في المصنف.
تنبيه:
فإن طلق الحاكم عليه قبل التلوم له بسنة وشهر أو بالعامين فينظر فإن كان ممن يرجى يسره وحصل له اليسر بالفعل في مدة التلوم على تقدير أن لو تلوم له فلا يمضي طلاقه لأنه وقع في غير محله لأن من يرجى يتلوم له اتفاقاً وإن كان ممن لا يرجى فحصل اليسر في مدة التلوم أيضاً فكذلك عند من يقول يتلوم له وهو الراجح، ويمكن أن يقال يمضي طلاقه لأنه حكم بمختلف فيه لكن قضاة اليوم لا يمضي حكمهم بخلاف المشهور أو الراجح أو المعمول به.
وَزَوْجَةُ الْغَائِبِ حَيْثُ أَمَّلَتْ ** فِرَاقُ زَوْجِهَا بِشَهْرٍ أُجِّلَتْ

(وزوجة الغائب) مبتدأ خبره أجلت آخر البيت (حيث) ظرف يتعلق بأجلت (أملت فراق زوجها) الجملة في محل جر بإضافة حيث (بشهر) يتعلق ب (أجلت). والمعنى أن زوجة البعيد الغيبة على عشرة أيام فأكثر كان معلوم الموضع أو مجهوله أسيراً أو غيره دخل بها أم لا. على المعتمد كما هو ظاهر النظم في ذلك كله إذا طلبت فراق زوجها بسبب النفقة لكونه غاب عنها ولم يترك لها نفقة، ولا ما تعدى فيه فإنها تجاب إلى ذلك وتؤجل شهراً بعد ثبوت الغيبة وكونه غاب قبل البناء أو بعده بموضع كذا أو لا يعلمون موضعه، وأنه غاب منذ كذا ولا يعلمونه ترك لها نفقة ولا كسوة ولا شيئاً تمون به نفسها ولا ما تعدى فيه ولا أنه آب إليها ولا بعث بشيء ورد عليها في علمهم إلى حين تاريخه، ثم يؤجله القاضي في الإنفاق عليها شهراً، كما اقتصر عليه ابن فتحون في وثائقه وعليه عول الناظم حيث قال: وبشهر أجلت. وصفته؟ أجل قاضي مدينة كذا وهو أعزه الله وحرسها الزوج المشهود بغيبته أعلاه أو حوله في الإياب لزوجته المذكورة من غيبته المذكورة وإجراء النفقة والكسوة، وسائر المؤن كلها أجلاً مبلغه شهر واحد مبدؤه من غد تاريخه استقصاء لحجته وإبلاغاً في الإعذار إليه شهد عليه من أشهده به وهو بحيث يجب له ذلك من حيث ذكر وفي كذا فإذا انقضى الأجل ولم يقدم خير (ت): فإن شاءت حلفت وطلقت نفسها بكراً كانت أو ثيباً وليس لأبيها القيام عنها إلا بتوكيلها كما في ابن عرفة وابن سلمون وتكتب في ذلك لما انصرم الأجل أعلاه أو حوله، ولم يقدم الزوج المذكور من غيبته المذكورة وسألت الزوجة من يجب سدده الله النظر لها في ذلك، فاقتضى نظره إحلافها على جميع ما تقدم لما شهدت به بينة الغيبة فحلفت على جميع ذلك بنصه بحيث يجب وكما يجب يميناً. قالت فيها بالله الذي لا إله إلا هو لقد غاب عني زوجي فلان إلخ. ولما تم حلفها وكملت يمينها وثبت ذلك لديه أذن لها في تطليق نفسها فطلقت نفسها عليه طلقة واحدة قبل البناء ملكت بها أمر نفسها أو بعد البناء يملك بها رجعتها إن قدم موسراً في عدتها وأمرها بالاعتداد وإرجاء الحجة للغائب متى قدم فمن حضر اليمين المنصوصة واستوعبها من الزوجة ويعرف الإذن فيها، وفي الطلاق من القاضي المذكور وأشهدته الحالفة المذكورة بما فيه عنها وعرفها بأتمه قيده شاهداً به في كذا وهو معنى قوله:
وبانْقِضَاءِ الأجَلِ الطَّلاَقُ مَعْ ** يَمِينِهَا وَباخْتِيَارِهَا يَقَعْ

والباء في قوله وبانقضاء للمصاحبة أو للسببية أو بمعنى مع خبر مقدم عن قوله الطلاق ومع في محل نصب على الحال أي والطلاق واقع على الزوج مصاحباً لانقضاء الأجل أي بسببه أو معه في حال كونه مع يمين الزوجة، وقوله وباختيارها يقع جملة مستأنفة قاله اليزناسني.
تنبيهات:
الأول: تقدم في فصل الضرر إذا حلفت بعد مضي التأجيل من غير إذن القاضي لها في الحلف ولا في الطلاق فإن ذلك نافذ فانظره هناك.
الثاني: تقدم أيضاً في المحل المذكور أن الزوج إذا تعصب بمحل لا تناله الأحكام فحكمه حكم الغائب فيجري عليه حكمه ولزوجته الطلاق بعدم النفقة إذ الهاربة من زوجها المقيم في بلد لا تناله الأحكام فيه لا تسقط نفقتها عنه.
الثالث: الغائب الذي لا مال له ولكن لا يمكنها الوصول إليه إلا بمشقة لعدم من ينصفها كما في البوادي ورؤوس الجبال لتعذر الأحكام الشرعية فيهما غالباً حكمه حكم العاجز الحاضر كما لابن فتحون، ونقله ابن عات في طرره، واعتمده ابن عبد السلام وهو الصواب خلافاً لما في الوثائق المجموعة من أنه إذا كان له مال لا يمكنها الوصول إليه يفرض لها النفقة وكان ذلك لها ديناً عليه تأخذه به إذا قدم لأنه لا معنى لإلزام المرأة أن تسلفه النفقة على نفسها من مالها أو من غيره لترجع في المال الذي بيد الغائب إن علم، أو في المال الذي لا يتوصل إليه إلا بمشقة ولو مأموناً كالعقار مع احتمال سلامة الزوج والمال ووصولها إلى ذلك وعدم وصولها لاستغراق الديون له، ولذا قال ابن رحال في شرحه ما في الوثائق المجموعة خلاف المذهب، وإن كان نحوه في البيان، واعترض به ابن عرفة على ابن عبد السلام فلا يسلم له الاعتراض.
الرابع: إذا قدم الزوج وجرح شهود الغيبة، ولم تجد المرأة غيرهم ردت إليه وفرق بينها وبين الزوج الثاني قاله غير واحد وهو معنى قول (خ) عاطفاً على ما ترد فيه الزوجة للأول والمطلقة لعدم النفقة، ثم ظهر إسقاطها خلافاً لما في ابن رشد في بينة شهدت بمغيب الزوج وأنه لا مال له تعدى فيه إلخ. ثم بعد أن حلفت المرأة وطلقت نفسها قالت البينة المذكورة أن له أنقاض حجرة قيمتها سبعة مثاقيل أو نحوها وأنهم كانوا يعرفون ذلك وقت الشهادة وجهلوا أن الأنقاض تباع في نفقتها أو شهد بذلك غير بينة الغيبة فقال: الطلاق نافذ لا يرد برجوع البينة سواء شهد بالأنقاض البينة التي حكم بها أو غيرهم ففتوى ابن رشد هذه مخالفة للمذهب وإن سلمها ابن عرفة والأجهوري.
الخامس: إذا عجزت المرأة عن إثبات غيبة زوجها لغربتها وعدم من يعرف زوجها فإن القاضي يحلفها اليمين المتقدمة وتطلق نفسها إن شاءت ويسمي الحاكم في حكمه الزوج الذي ذكرت ويصفه بما ذكرت فإن قدم وأنكر الزوجية لم يضر وإن أقر بها وقع عليه الطلاق قاله اللخمي والسيوري وغيرهما كما في البرزلي ونقله (ح).
السادس: إذا أثبتت الزوجة عيبة زوجها وعدم ما تنفق منه على نفسها فتطوع قريب أو أجنبي بنفقتها فقال أبو بكر بن عبد الرحمن وغيره وهو المعتمد ليس لها أن تطلق نفسها لأن سبب الفراق وهو عدم النفقة قد ارتفع وزال خلافاً لابن الكاتب في قوله إن لها أن تفارقه.
وَمَنْ عَنِ الإخْدامِ عَجْزُهُ ظَهَرْ ** فَلاَ طَلاَقَ وَبِذَا الحُكْمُ اشْتَهَرْ

(ومن) مبتدأ موصول (عن الإخدام) يتعلق بقوله (عجزه) وهو مبتدأ (ظهر) خبره والجملة صلة الموصول (فلا) نافية للجنس (طلاق) اسمها وخبرها محذوف أي عليه والجملة خبر الموصول (وبذا) يتعلق بما بعده (الحكم) مبتدأ خبره (اشتهر) أي إذا كانت الزوجة من أهل الإخدام فإنه يجب عليه إخدامها ولو لم يشترط في عقد النكاح كما في (خ) وغيره فإذا قدر على النفقة والكسوة وعجز عن الخدمة وأثبت عجزه عنها بالبينة أو بإقرار الزوجة فإنها لا تطلق عليه وسقط حقها في الخدمة على المشهور المعمول به كما في المتيطية وغيرها، ومحل هذا إذا لم يكتب عليه الموثق في وثيقة النكاح أن الزوج علم بأن زوجته هذه ممن لا تخدم نفسها لمالها ومنصبها فطاع بالتزام خدمتها وأقر أنه ممن يلزمه ذلك وأن ماله متسع لإخدامها وإلاَّ فلا يقبل قوله إنه عاجز عن إخدامها ولو شهدت له البينة به لم ينفعه لاعترافه بسعة ماله إلا أن يعلم أنه أصابه أمر أذهب ماله كما قالوه في الغريم يعترف لرب الدين بملائه به ثم يقيم بينة بعدمه به قاله في المتيطية ونقله ابن عرفة.
تنبيه:
تقدم في البيتين قبله أنه ليس للأب أن يخاصم عن ابنته في النفقة إلا بتوكيل منها ولو سفيهة لأن لها أن تقيم معه بغير نفقة، بل إذا رضيت بسكنى زوجها معها في دارها وإنفاقها على نفسها من مالها فإنها تجاب إلى ذلك ولا مقال لحاجرها لأن من حجتها أن تقول إن كلفته بنفقتي طلقني ورجعت أسكن بداري وحدي وأنفق على نفسي من مالي ولا أتزوج سواه فبقائي مع زوجي بداري وإنفاقي على نفسي أحسن لي قاله عياض عن شيوخ الأندلس ونقله ابن عرفة وغيره.